ما وراء الطبيعة

ما وراء الطبيعة أو الماورائيات أو الميتافيزيقا (بالإنجليزية: Metaphysics)‏ هو فرع من الفلسفة يتعلق بالطبيعة الأساسية للواقع ويدرس جوهر الأشياء. يشمل ذلك أسئلة الوجود والصيرورة والكينونة والواقع. تشير كلمة الطبيعة هنا إلى أصل الأشياء مثل سببها والغرض منها. بعد ذلك تدرس ما وراء الطبيعة أسئلة عن الأشياء بالإضافة إلى طبيعتها، خاصة جوهر الأشياء وجودة كينونتها. تسعى ما وراء الطبيعة –في صورة مجردة عامة- إلى الإجابة على هذه الأسئلة:

  1. ماذا هنالك؟
  2. ما صورته؟

تشمل المواضيع التي تبحث ما وراء الطبيعة فيها كلا من الوجود، والأشياء وخواصها، والمكان والزمان، والسبب والنتيجة، والاحتمالية.

وهو يهدف إلى تقديم وصف منظم للعالم وللمبادئ التي تحكمه. وخلافاً للعلوم الطبيعية التي تدرس مظاهر محددة من العالم، تُعدّ الميتافيزيقا علوماً استقصائية أكثر توسعاً في المظاهر الأساسية للموجودات. ويعتمد علماء الميتافيزيقا على أنماط تحليلية تعتمد بدورها على المنطق الخالص عوضاً عن النهج التجريبي الذي يتبعه علماء الطبيعيات. وقد ركز التكهن الخاص بما وراء الطبيعية، ـ دائماً ـ على مفاهيم أساسية كالفضاء والزمن، والسببية، والهوية والتغيير، والاحتمالية والضرورة، والمتفردات والعموميات، والعقل والجسد.

تهدف أكثر المشروعات الفلسفية طموحاً إلى صياغة نظرية حول طبيعة أو بناء الواقع أو العالم ككل. ومن الشائع أن يطلق مصطلح الميتافيزيقا على هذا المشروع الذى تعرضت جدواه الفكرية للنقد على نطاق واسع فى الفلسفة الغربية فى القرن العشرين. وقد ازدهرت الميتافيزيقا فى اليونان المقديمة، وفى إطار الثورة العلمية فى أوروبا القرن السابع عشر. وقد اعتقد فلاسفة من أمثال ديكارت وليبنتز وسبيتوزا أن الاستخدام المنظم للعقل يمكن أن يؤدى بهم إلى رؤية لطبيعة العالم تختلف اختلافا بعيدا فى طابعها عن فهمنا العادى اليومى له. وكذلك استطاع العلم هو الآخر أن يتوصل إلى نفس هذه النتيجة. وتعتبر أفكار كل من الفيلسوفين إيمانويل كانط ودافيد هيوم بمثابة الأصل للشكوك المعاصرة حول دعاوى الميتافيزيقا. ففى رأى كل من هذين المفكرين، قد لايكون الاستخدام المؤثر للغة ممكناً إلا فى إطار الحدود المممكتة للخبرة فقط. إن الميتافيزيقا قابلة للفهم لأنها تستخدم كلمات مستقاة من لغة الحياة اليومية، ولكنها باستخدامها لهذه الكلمات للحديث عن عالم ما رواء حدود الخبرة الممكنة فإنها تقع فى تناقضات وتعانى من عدم الاتساق. وقد دافع بعض الفلاسفة التحليليين المعاصرين عن رؤية أكثر تواضعاً للميتافيزيقا “الوصفية” تمييزا لها عن الميتافيزيقا “التحليلية” أو “التنقيحية”، مثلما هى الحال فى محاولة تحليل ووصف الإطار المرجعى للمفاهيم الأساسية وعلاقتها الكامنة وراء خطاب الحياة اليومية وخطاب العلم.

الاشتقاق

كلمة “ميتافيزيقا” مشتقة من الكلمات اليونانية μετά (ميتا وتعني “خلف” أو “بعد) وكلمة φυσικά (فيزيكا وتعني “فيزياء”). استُخدمت لأول مرة كعنوان للعديد من أعمال أرسطو، لأنها غالبًا ما كانت توضع بعد أعماله على الفيزياء في الأعمال الكاملة. لذا فإن السابقة ميتا تشير إلى أن هذه الأعمال تأتي “بعد” فصول الفيزياء. إلا أن أرسطو نفسه لم يسمي مواضيع هذه الكتب ميتافيزيقا، بل أشار إليها على أنها “فلسفة أولى”. يُعتقد أن محرر أعمال أرسطو أندرونيقوس الرودسي (في القرن الأول قبل الميلاد) هو من وضع كتب الفلسفة الأولى بعد الأعمال الأخرى “الفيزياء” وأطلق عليهم τὰ μετὰ τὰ φυσικὰ βιβλία أي “الكتب التي تأتي بعد كتب الفيزياء”. وعلى ذلك فإن “ما بعد الطبيعة” تعني فقط الكتاب التالي في الترتيب لكتاب “الطبيعة” في مجموع مؤلفات أرسطو الذي نشره أندرونيقوس، ولا علاقة له بمضمون أو موضوع هذا العلم. أخطأ العلماء اللاتينيون بعد ذلك في فهمها واعتقدوا أنها تعني “علم ما وراء الفيزياء”.

أما اسم هذا العلم عند أرسطو فهو: “الفلسفة الأولى” (πρώτη φιλοσοφία)، وأحياناً يسميه الإلهيات (θεολογία)

لكن هذا التصنيف المكتبي أو الترتيب التصنيفي لموضع كتاب أرسطو في الفلسفة الأولى او الإلهيات ما لبث أن فسر لدى المشتغلين بالفلسفة ابتداء من القرن الأول بعد الميلاد تأويلاً يجعل منه دالاً عل موضوع الكتاب وهو البحث في الوجود بما هو وجود، وأصبح يطلق اسم «الميتافيزيقا» على البحث في الأمور التي «تتجاوز» (ما بعد) الطبيعة، وهو تأويل يناقض تماماً فكر أرسطو، إذا فهم بمعنى أن موضوعه يتجاوز نطاق العالم (كوسموس) إذ ليس وراء العالم – عند أرسطو – شيء. أما إن فهم بمعنى أن موضوعه هو الموجودات غير الخاضعة للكون والفساد، بينما الطبيعة خاضعة للكون والفساد، فإن هذا التأويل يتمشى مع تصور أرسطو لهذا العلم، لأنه يبحث فيه في المحرك الأول الذي هو فعل محض، وعقل محض، كما يبحث في عقول الأفلاك وهي أيضاً عارية عن المادة وغير خاضعة للكون والفساد.

إلا أنه بمجرد وضع الاسم، سعى المعلقون إلى إيجاد أسباب داخلية ليكون مناسبًا. على سبيل المثال، فُهمت على أنها تعني “علم العالم ما وراء الطبيعة” أو العالم الروحي المعنوي. من جديد فُهمت على أنها تشير إلى الترتيب الزمني أو التربوي بين دراساتنا الفلسفية، لكي تعني العلوم الميتافيزيقية “العلوم التي ندرسها بعد إتقان العلوم التي تتعامل مع العالم الفيزيائي”.

يُطلق على الشخص الذي يدرس ما وراء الطبيعة (الميتافيزيقيا) اسم ميتافيزيقي.

يستخدم الحديث الشائع أيضًا كلمة “ميتافيزيقا” في مراجع مختلفة من الموجودة في هذا المقال، خاصة في بعض الاعتقادات الاعتباطية غير الفيزيائية أو الكينونات الخارقة للطبيعة. على سبيل المثال، يشير “الشفاء الميتافيزيقي” إلى الشفاء من خلال طرق الشفاء السحرية أو الخارقة للطبيعة بدلا من الطرق العلمية. استأصل هذه الاستخدام من المدارس التاريخية المختلفة للميتافيزيقا التأملية والتي عملت من خلال افتراض كل طرق الكينونات الفيزيائية والعقلية والروحية كأسس لأنظمة ميتافيزيقية معينة. لا تحول الميتافيزيقا كمادة دون الاعتقاد في مثل هذه الكينونات السحرية ولكنها أيضًا لا تدعمها. بالأحرى، الموضوع الذي يمد الكلمات والمنطق بمثل هذه الاعتقادات هو ما قد يُحلل ويُدرس، على سبيل المثال من أجل البحث عن التناقضات سواء في بينها أو بين الأنظمة المقبولة الأخرى مثل العلم.

الأساس المعرفي

مثل الرياضيات، نظرية المعرفة هي دراسة غير تجريبية والتي تتم باستخدام التفكير التحليلي فقط. مثل الرياضيات التأسيسية (والتي تعتبر حالة خاصة من ما وراء الطبيعة مطبقة على وجود الأرقام)، تحاول ما وراء الطبيعة أن تقدم اعتبارا متسقا لهيكل العالم قادرا على تفسير إدراكنا اليومي والعلمي للعالم، وخاليا من التناقضات. في الرياضيات، هناك العديد من الطرق لتعريف الأرقام، بنفس الطريقة في ما وراء الطبيعة هناك العديد من الطرق لتعريف الأشياء والخواص والمفاهيم والكينونات الأخرى التي تكون العالم. في حين قد تدرس ما وراء الطبيعة –كحالة خاصة- بعض الكينونات التي يفترضها العلم الأساسي كالذرات والأوتار الفائقة، إلا أن لب موضوعها هو تصنيفات مثل الأشياء والخواص والسببية التي تفترضها هذه العلوم الأساسية. على سبيل المثال: ادعاء أن “للإلكترون شحنة” هي نظرية علمية، بينما دراسة معنى وجود الإلكترون كأحد “الأشياء”، وكون الشحنة أحد “الخواص”، ووجود كل منهما في كينونة طوبولوجية تسمى “المكان” كل ذلك هي مهمة ما وراء الطبيعة.

هناك موقفان واسعان تدرسهما ما وراء الطبيعة عن ما هو “العالم”. تفترض الرؤية الكلاسيكية القوية أن الأشياء التي تدرسها ما وراء الطبيعة توجد بشكل مستقل عن أي راصد، بحيث أن الشيء هو أساس كل العلوم. تفترض الرؤية الحديثة الضعيفة أن الأشياء التي تدرسها ما وراء الطبيعة توجد داخل عقل الراصد، بحيث يصبح الشيء نوعا من الاستبطان والتحليل الفلسفي. يناقش بعض الفلاسفة -مثل كانط- كل من “العالمين” وما يمكن استنتاجه من كل منهما. يرفض بعض الفلاسفة –كفلاسفة الوضعية المنطقية- وبعض العلماء الرؤية القوية لما وراء الطبيعة لكونها بلا معنى ولا يمكن إثباتها. يجيب البعض بأن هذا الانتقاد قد ينطبق على أي نوع من المعرفة –بما في ذلك العلم التجريبي- والذي يدعي وصف كل شيء ما عدا أمور الإدراك الإنساني، لذا فإن عالم الإدراك هو العالم الحسي بطريقة ما. تفترض ما وراء الطبيعة نفسها أن بعض المواقف طُرحت على هذه الأسئلة وأنها قد تستمر بصورة مستقلة عن الاختيار، حيث أن سؤال أي المواقف يجب أخذها ينتمي إلى فرع آخر من الفلسفة هو نظرية المعرفة.

Advertisements

علم الوجود

علم الوجود هو الدراسة الفلسفية لطبيعة الكينونة والصيرورة والوجود والواقع، بالإضافة إلى المقولات الرئيسية وعلاقاتها. يُعد علم الوجود لب ما وراء الطبيعة حيث أنه يتعامل مع الأسئلة حول ما هي الكيانات الموجودة، أو التي قد توجد، وما هي الكيانات التي يمكن تصنيفها في سلسلة مراتب طبقا للتشابهات والاختلافات بينها.

الهوية والتغيير

الهوية هي قضية هامة في ما وراء الطبيعة. يبحث فلاسفة ما وراء الطبيعة المشغولون بالهوية في سؤال ما معنى أن يكون للشيء هوية بالنسبة لذاته، أو بصورة أكثر جدلا بالنسبة لغيره. تظهر قضايا الهوية في سياق الوقت: ما معنى أن يكون الشيء نفسه في لحظتين من الزمن؟ كيف نعتمد على ذلك؟ يظهر سؤال آخر عن الهوية عندما نسأل كيف يجب أن تكون معاييرنا من أجل تحديد الهوية؟ وكيف تتفاعل حقيقة الهوية مع التعبيرات اللغوية؟

تساعد دراسة العلاقة بين الهوية والتغيير العلماء على فهم كيفية استمرار الأشياء عبر الزمن، على الرغم مما يبدو أنها تتغير. ويقر معظم الناس أن الأجسام يمكن أن تتغير دون أن تتحول لأشياء أخرى. فمثلاً لن تحوّل طبقة من الدهان منزلاً ما إلى منزل آخر، ومن ثم فإن المدى الذي يمكن أن تحدث فيه التغيرات دون أن تدمر الجسم الأصلي يبدو غير واضح. ولذا فإننا إذا استبدلنا بشكل تدريجي كل أجزاء بيت ما ، فإننا سنكون كمن بنى ببطء شديد بيتاً جديداً مكانه. وتميز بعض النظريات الخاصة بما وراء الطبيعة بين شكل الجسم أو التنظيم والمادة التي صُنع منها. وتقول تلك النظريات إن الشكل يستمر عبر الزمن ويضمن هوية الجسم عبر التغيرات.

تحمل مواقف ما وراء الطبيعة التي يحملها الفرد بخصوص الهوية تضمينات على بعض القضايا مثل قضية العقل والجسد، والهوية الشخصية، والأخلاق، والقانون.

أخذ اليونانيون القدماء مواقف متطرفة بخصوص طبيعة التغير. أنكر بارمينيدس التغير كلية، بينما جادل هيراقليطس أن التغير موجود في كل مكان قائلا: “لا تستطيع أن تنزل في نفس النهر مرتين.”

الهوية –ويطلق عليها أحيانا الهوية العددية- هي علاقة “الشيء” بذاته، والتي لا يحملها “الشيء” تجاه أي شيء آخر غير ذاته.

لايبنتس هو أحد الفلاسفة المعاصرين الذين لهم تأثير دائم على فلسفة الهوية، والذي وضع قانون لا تميز التعبيرات المتطابقة والذي لا يزال يُستخدم حتى اليوم. ينص القانون على أنه إذا كان شيء ما س مطابقا لشيء آخر ص، فإن أي خاصية يحملها س لا بد أن يحملها ص.

إلا أنه يبدو أن الأشياء تتغير مع مرور الوقت. إذا نظر شخص ما إلى شجرة في يوم ما، ثم فقدت الشجرة ورقة من أوراقها، فإن هذا الشخص لا يزال ينظر إلى نفس الشجرة. هناك نظريتان متنافستان بخصوص العلاقة بين التغير والهوية هما التدرجية والتي تعامل الشجرة كسلسلة من مراحل الشجرة، والثباتية والتي تعتبر الشجرة كائنا حيا –نفس الشجرة- موجودا في كل مراحل الشجرة عبر حياتها.

المكان والزمان

تظهر الأشياء إلينا في مكان وزمان، بينما لا تفعل ذلك الكينونات المجردة مثل التصنيفات والخواص والعلاقات. وعندما يرغب الفلاسفة في فهم طبيعة الكون، فإنهم يبدأون بدراسة طبيعة الفضاء والزمن والأسئلة التالية: هل بالإمكان أن يوجد زمن دون تغيير؟ وهل الفضاء شيء متميز عن الأجسام في الكون؟ ماذا إذا نعني بالمكان والزمان حتى يقوما بهذه الوظيفة كأرضية للأشياء؟ هل المكان والزمان كينونات خاصة بصورة ما، أم أنه يجب أن يتواجدا قبل وجود الكينونات؟ كيف يمكن تعريفهما بدقة؟ على سبيل المثال، إذا عرّفنا الوقت بأنه “معدل التغير” فهل هذا يعني أنه لا بد من تغير شيء ما لكي يوجد الوقت؟

هذه الأسئلة أسئلة ترد في مجال الميتافيزيقا. وقد ناقش علماء الميتافيزيقا مقولة أن الزمن والفضاء يُعدّان من الأمور المطلقة ـ أي أنهما مستقلان عن أي تغير في ترتيب محتويات الكون. ولكن طبقاً للتقدير النسبي، فإن كلاً من الزمن والفضاء يمكن قصرهما على العلاقات القائمة بين الأشياء في الكون.

العلية أو السببية

تحاول نظريات السببية الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بكيفية وأسباب وقوع الأحداث. وترتبط السببية ارتباطاً وثيقاً بالمشكلات المتعلقة بالحتمية والإرادة الحرة. وتنص الحتمية على أن القوانين السببية الصارمة تتحكم في الأحداث، بما في ذلك الأفعال الإنسانية. وتَدَّعي النظريات المتعلقة بالميتافيزيقا غير الحتمية أنَّه ما من أسباب خارجية تتحكم بالأحداث. وتنص هذه النظريات على أن الناس يختارون أفعالهم بكل حرية، وأنهم بإمكانهم اختيار عكس ما اختاروه فعليًا في أى موقف .

اعترفت الفلسفة الكلاسيكية بعدد من الأسباب مثل أسباب المستقبل الغائية. في النسبية الخاصة ونظرية المجال الكمومي تصبح أفكار المكان والزمان والسببية متداخلة معا حيث تصبح الرتب الزمنية للسببية معتمدة على الراصد لها. قوانين الفيزياء متجانسة في الزمان، لذا يمكن أن تستخدم لتصف الزمان بأنه يجري للخلف. إذا لماذا ندرك الزمان بأنه يتدفق في اتجاه واحد ومع احتوائه على السببية ندرك أنها تتدفق معه في نفس الاتجاه؟

زر الذهاب إلى الأعلى